آخر المشاركات بالمرساة
» جواز التلقيح عنصرية يراد نشرها في المغاربة   ||  آخر مشاركة بواسطة : [ محمد محمد البقاش ] || عدد الردود: [ 0 ]     ./:\.     » ماذا لو كان لقاح الأطفال ضد كورونا مُتَضَمِّنا موادَ للعقم؟   ||  آخر مشاركة بواسطة : [ محمد محمد البقاش ] || عدد الردود: [ 0 ]     ./:\.     » جريمة تلقيح أطفالنا مسؤولية الدولة   ||  آخر مشاركة بواسطة : [ محمد محمد البقاش ] || عدد الردود: [ 0 ]     ./:\.     » عبد الله النفيسي وحديثه عن تحكم دول المركز في العالم   ||  آخر مشاركة بواسطة : [ محمد محمد البقاش ] || عدد الردود: [ 0 ]     ./:\.     » نهاية القطب الأحادي في قيادة العالم والعالم على أعتاب حرب   ||  آخر مشاركة بواسطة : [ محمد محمد البقاش ] || عدد الردود: [ 0 ]     ./:\.     » هل الأرض تدور أم تسبح أم هي ثابتة؟   ||  آخر مشاركة بواسطة : [ محمد محمد البقاش ] || عدد الردود: [ 0 ]     ./:\.     » توقيت الهجرة الجماعية إلى سبتة وتشجيع الإسبان لها مع الاعتد   ||  آخر مشاركة بواسطة : [ محمد محمد البقاش ] || عدد الردود: [ 0 ]     ./:\.     » ممتلكات الأوقاف الإسلامية في المغرب يسيرها صهيوني ما مدى صحة   ||  آخر مشاركة بواسطة : [ محمد محمد البقاش ] || عدد الردود: [ 0 ]     ./:\.     » المغرب يضع القضية الفلسطينية ضمن انشغالاته كذبا   ||  آخر مشاركة بواسطة : [ محمد محمد البقاش ] || عدد الردود: [ 0 ]     ./:\.     » ولي العهد السعودي يتزندق وفي الجهل يتخندق   ||  آخر مشاركة بواسطة : [ محمد محمد البقاش ] || عدد الردود: [ 1 ]     ./:\.    
اليوم هو 25 مارس 2023, 01:26




إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
غير متصل 

تاريخ التسجيل: 11 يونيو 2005, 20:20
المشاركات: 652
الإقامة: المغرب
صورة العضو الشخصية
قراءة في "حادثة غير متوقعة" لجبران الشداني
 مشاركة 20 مايو 2009, 00:12

حادثة غير متوقعة


جبران الشداني


سمع وهو نائم صوت ارتطام وجهها بأرض المرحاض، فهرع قلقا إلى حيث طالعه جسدها المسجى في بركة من الدماء الغزيرة، اندفعت إلى رأسه اسئلة كثيرة، ودار عائدا إلى غرفة نومها يبحث عن حل ينقذها من النزيف الدموي القاتل..كانت تراه رغم كل شيء..و تتمنى لو أنه كان أقل انفعالا، خلال ما تبقى لها من اخر لحظات في العمر.



أن يسمعَ المسرودُ عنه وهو نائم فذلك ما يحمل على الاعتقاد بأنه كان يحلم أو ينعم بإغماءة خارجة من حساب الزمن. أما أن يحلل الصوت المسموع وأن يربطه بمعادله البصري-الحركي وبمصدره المكاني (السقطة المؤدية إلى ارتطام وجه المحكي عنها بأرض المرحاض) فتلك معادلة سردية سرية لا واقعية.

ليس في متواليات النص ما يشير إلى أن بركة الدماء الغزيرة كانت ناتجة عن وقوع المحكي عنها على وجهها، فبالنظر لسرعة رد فعل المحكي عنه لا يمكننا إلا أن نفترض بأن النزيف كان إراديا، من الوريد إلى الوريد، وهو ما يجليه قول السارد وتوظيفه لأداة الجر "في" الدالة على الظرفية المكانية: " طالعه جسدها المسجى في بركة من الدماء الغزيرة ". إنما هي رؤيا تحققت، وكفى!

بجانب "حادثة السقطة غير المتوقعة" والمتواليات الناتجة عنها، يتخذ بناءُ مكانِ السقطة شكل تمثيل هندسي رمزي مانحا مشهدية خانقة ومضجرة، وكفيلة بتوقع السقوط: غرفتان يفصل (أو يصل) بينهما مرحاض. والملاحظ هنا أن الكاتب استعمل التركيب الإضافي "أرض المرحاض" مستعيضا عن توارد آخر هو "الأرضية"، مما يشحن رمزية المكان بأبعاد أكثر شساعة وأسطورية.

أما الزمن (بضغطه وأثره النفسيين) فيتخذ شكلَ صعقات كهربائية متقطعة وحادة يخفق لها القلب ويرتد، وقد يرتعد ذبحا: (صوت ارتطام الوجه بالمرحاض/ رؤية جسدها المسجى في بركة من الدماء الغزيرة/ اندفاع الأسئلة إلى الرأس في لحظة الهلع). هذا التخبط والتوثب عند المحكي عنه يخالف ما نجده لدى المسجى جسدها من هدوء يطفئ هول الذعر بنظرة تقول ما يحصره العي، ويبدو معها وبها ركيكاً كل قلق محيط بمجد النزيف، ذلك أن "الناظرة" قد شفيت من الحياة، وأحبّت المسرودَ عنهُ أو أحبّت ألا تكون نظرتها الأخيرة مطبوعة بقلقه الذي يؤذي المشهد ولا يجديه. رأتْ ما لا يعود قابلا للقول بعد تخطي تلك العتبة/البرزخ التي تضع حدا للحكي وتنهي القصة بصمت هو كل الصمت: صمت يتسع مجازا لكل غمغمات القراء وأقوالهم بمتباين تأويلاتهم.

من بين ما أتاح لهاته النظرة وهجها الناطق كونها قطعت (بعد الارتطام والنزيف وجلبة السارد) كل صوت وحققت ما تجوز تسميها ب "اللحظة الصماء" فوحّدت بذلك نبض الأثر النهائي بأن أحدثت "وقفة تامة" امتصت ذهول الجميع (هي وهو والقارئ).

لقد وفقت هذه الققج في وشم القارئ بدم "الرمق الأخير" الذي يقول ما لا يُنسى قبل الانصراف إلى ما وراء مدار الحياة. "رمق أخير" كان من الممكن أن يكون عنوانا للنص.. هي مسألة ذوقية وشخصية، فلربما كان عنوان "حادثة غير متوقعة" يشير إلى ما فاتني -بالضرورة- الانتباه إليه بين السطور والكلمات... لا سيما أنني كقارئ غمرتني "النظرة" أكثر مما فاجأتني "الحادثة".

وتبقى هذه الققج، ككل نص أصيل، غاوية ببياضاتها الوفيرة وبمضايقها التي تتصادم فيها التأويلات والمعاني وتتراشق فيها الكلمات ببقع الدم الإنساني، وهو ما يمنحها انفتاحها الرحيم وقابليتها للاحتضان في كل زمان ومكان، وبكل اللغات.

نص عميق وجميل ومخيف،
وفيه ما فيه من نبض الكتابة موتا وحبا.

_________________

" في مكان آخر، بعيدا جدا عن هنا! بعد فوات الأوان! ربما أبدا! ". (بودلير)



 شاهد الملف الشخصي  
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 


 مَن على خط المرساة؟ 

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجَّلون متصلون و 1 زائر


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
cron